
“الاكتشاف الرائد” من قبل باحثين سودانيين لطبيعة وعلاج فيروس كورونا المستجد هو مثال جيد على تصنيع الأكاذيب.
في خضم الجائحة، يتم نشر المعلومات والأخبار المضللة بين عامة الناس، مما يؤدي إلى ارتباك حول ما يجب تصديقه. هذه المرة استهدفت المعلومات المغلوطة شرح التأثير الفيزيولوجي لفيروس كورونا المستجد على جسم الإنسان، وكما تشير الى وجود علاج فعلي للفيروس.
وفي محاولة لكسب المصداقية، وبخلاف منشورات وسائل التواصل الاجتماعي المتداولة بكثرة عن كورونا، استشهد المؤلف بمصدر رسمي وهو مدير ما يسمى “مركز أبحاث الشمال” التابع لوزارة الصحة الاتحادية ويقع في الولاية الشمالية. هذا المركز لا وجود له إلا في مخيلة المؤلف، والمعلومات المغلوطة ذكرها المسؤول الخرافي في مؤتمر صحفي لم يحدث قط.
منصة الجائحة استوثقت من مصدر في وزارة الصحة الاتحادية، وقد أكد المصدر إنه لا يوجد مركز بحثي يتبع للوزارة تحت مسمى “مركز أبحاث الشمال”، ليس في الولاية الشمالية أو في أي مكان آخر في السودان
استخدم التقرير الخبري المزيف بعض المعلومات الحقيقية، بهدف أن يكون التقرير أكثر إقناعًا فأشار إلى حالة موظفة وزارة الصحة التي ثبتت إصابتها بفيروس كورونا المستجد، لكنهم زعموا أنها عولجت من قِبل المركز. وقد نُشرت قصتها الكاملة في صحيفة الجريدة وتلقت علاجاً مساعداَ في مركز جبرة للعزل، مثل معظم الأشخاص المصابين بفيروس كورونا المستجد في ولاية الخرطوم.
التقرير الخبري المذكور متخم الادعاءات الطبية المضللة. يبدأ التقرير بالادعاء بأن تشخيص فيروس كورونا المستجد يتم بطريقة خاطئة، لا توجد أدبيات طبية تدل على أن بلدان مثل الولايات المتحدة والصين تخطئ في تشخيص المرض.
لا حاجة إلى أجهزة التنفس الصناعي:
ادعاءات كاذبة ذات دوافع سياسية لتقويض استجابة الجهات الرسمية لفيروس كورونا المستجد
يدعي التقرير أن فيروس كورونا المستجد لا يضرب الرئتين وأنه لا توجد حاجة إلى أجهزة التنفس الصناعي. يستخف التقرير بالبروتوكولات الرسمية التي يتبعها الأطباء عالمياً لعلاج فيروس كورونا المستجد دون الاستشهاد بالأدبيات الطبية لدعم هذا الادعاء.
الخصائص البيوكيميائية لفيروس كورونا المستجد غير معروفة بعد للعلماء، ولذلك ليس من الواضح كيف تتم مكافحة الفيروس.
أظهر أوائل المرضى في ووهان، في مقاطعة هوبي، الصين، أعراضاً واضحة للالتهاب الرئوي الذي هو عادة عدوى في ممرات الجهاز التنفسي والحويصلات الهوائية التي توصل إلى الهواء إلى الرئتين.
أوضحت الدراسات أن البشر يفتقرون إلى الاستجابة المناعية اللازمة لدرء الفيروس، مما قد يفسر لماذا تظهر أعراض الالتهاب الرئوي الحاد في الحالات الخطرة.
يستجيب الجسم لهذه الأعراض عن طريق إطلاق الخلايا الليمفاوية وهي نوع من خلايا الدم البيضاء وتعرف باسم “الخلايا القاتلة الطبيعية”. ثم تتجمع هذه الخلايا والسوائل في الرئتين والغشاء المبطن للتجويف الصدري (غشاء الجنب). يؤدي تراكم هذه الإفرازات إلى انسداد الرئتين وغشاء الجنب مما يصعب على الرئتين تناول الأكسجين وذلك يؤدي إلى فشل الجهاز التنفسي.
وبالتالي يحتاج المريض إلى دعم أجهزة التنفس الصناعي الميكانيكية لضخ الأكسجين في الرئتين.
تأكيد التقرير على عدم الحاجة إلى أجهزة التنفس الصناعي، وحث حكومة السودان وحكومات الدول العربية على الامتناع عن إهدار الأموال والموارد في “خزعبلات اجهزة تنفس صناعي وتفاهات الالتهابات الرئوية” كما وصفها الكاتب، يشير إلى دوافع سياسية وراء ذلك.
بدأ تداول هذا المنشور بعد وقت قصير من ظهور وزير الصحة السوداني في مؤتمر صحفي وأعلن عن الصعوبات التي يواجهونها للحصول على الإمدادات الطبية. مما أدى إلى تكهنات بأن الخبر المزيف تم بدوافع سياسية لتقليل التعاطف العام مع القطاع الصحي في السودان واتهام السلطات الصحية أنها تهدر مواردها الشحيحة في الاستجابة لجائحة فيروس كورونا المستجد.
وأختُتم التقرير بإعادة التأكيد على تسبب الحكومات في وفيات فيروس كورونا المستجد. وأعلِن عن إغلاق مركز البحوث لمدة 10 أيام حداداً على وفاة المسلمين الذين فقدوا حياتهم “جراء تصرفات حكومات غبية لاتهتم بالبحوث والدراسات العلمية” بحسب الكاتب.
بالإضافة لإلقاء اللوم على الحكومة، فإن إعلان الحداد على فقدان أرواح المسلمين والمناشدة بمحاسبة الولايات المتحدة والصين على تغطية “المعلومات العلمية المهمة” تشير إلى نظرية المؤامرة ضد المسلمين.
فيما يلي قائمة بالمعلومات الكاذبة الإضافية المذكورة كحقيقة في المقال:
الترويج لفرضية “كورونا يهاجم الهيموغلوبين” كحقيقة مثبتة
ثم يستمر التقرير في الادعاء بأن الفيروس يهاجم الهيموغلوبين داخل خلايا الدم الحمراء التي تحمل الأكسجين بشكل مثالي إلى الرئتين، ويخرج منهما ثاني أكسيد الكربون. وهذا الادعاء ليس فريداً من نوعه وليس بجديد. نُشرت هذه الفرضية في مدونة نقلاً عن ورقة مشكوك فيها تدعي أن فيروس كورونا المستجد يستهدف الهيموغلوبين عن طريق إزالة الحديد من الهيموغلوبين ليحل الفيروس محله. فند هذه الفرضية عالم وباحث أكاديمي بأن الفيروس أكبر من الحديد ولا يمكن أن يحل محله.
إن الأعراض المرتبطة بفيروس كورونا المستجد أكثر اتساقاً مع أعراض الالتهاب الرئوي مقارنة بأعراض ارتفاع مستوى ثاني أكسيد الكربون في الدم.
ويخلص كاتب التقرير الى أن مكملات الحديد يمكن أن تساعد في إصلاح الضرر الذي يسببه الفيروس، وهو افتراء لم يثبته العلم ولا كاتب التقرير نفسه
الأدوية المضادة للملاريا ليست الدواء المعجزة:
أكد التقرير وجود علاج لفيروس كورونا المستجد وهو “هيدروكسي كلوروكوين”، الذي يستخدم عادة لعلاج الملاريا والذئبة وغيرها من الأمراض.
روج التقرير والعديد من المقالات الأخرى للهيدروكسي كلوروكوين بإعتباره “علاج معجزة”. كما وصفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه “يغير قواعد اللعبة” في تحدي فيروس كورونا المستجد على الرغم من أن الأطباء ينكرون فعاليته.
العديد من البحوث الطبية المبنية على التجارب المختبرية، لم تخلص لأي أدلة أن هيدروكسي كلوروكين له خواص مضادة للفيروسات أو فوائد سريرية لعلاج المصابين بفيروس كورونا المستجد، سواء استخدم منفرداً أو عند دمجه مع أدوية أخرى.
من يقف وراء هذا التضليل المتعمد؟
تم تداول هذه المادة المضللة على تطبيق واتساب بشكل واسع، ويكاد يكون من المستحيل تحديد هوية مطلق الفرية. ومع ذلك، وجد التقرير طريقه إلى موقع على شبكة الإنترنت تملكه وتديره الشاعرة الفلسطينية فاطمة واصل اغبارية.
وفي مكالمة هاتفية مع السيدة اغبارية، قالت إن الخبر أرسل إليها عبر واتساب مع اسم المؤلف ورقم واتساب الخاص به. ونفت أي مسؤولية في التحقق من المعلومات التي تنشرها على موقعها الإلكتروني، مدعية أن أي شيء تنشره يعتمد على مسئولية الكاتب. وأكدت أغلبية أن النشر بدون تحري دقة المعلومات هو ممارسة صحفية معتادة تقوم بها وسائل الإعلام الدولية. وقالت إنها ستواصل نشر أي شيء تتلقاه عبر واتساب دون التحقق من المعلومات المذكورة، طالما أن المادة لا تهاجم الحكومات.
واجهت منصة الجائحة السيدة اغبارية بحقيقة أن التقرير المعني قد هاجم ثلاث حكومات بناءاً على ادعاءات كاذبة (الولايات المتحدة والصين والسودان)، وردت بأن لكل شخص الحق في التعبير عن آرائه، وهي تمارس حرية التعبير.
إن حرية التعبير ليست مطلقة، تقيد المحتوى الذي يحرض على خطاب الكراهية و/أو يعرض حياة الناس للخطر من خلال التحريض على العنف أو في هذه الحالة تبادل المعلومات المضللة التي من شأنها أن تعرض السلامة العامة للخطر.
واجبنا هو التحقق من المعلومات، واجبك هو التوقف عن تداول المحتوى المشكوك فيه
وفي النهاية، تبقى الحقيقة أن هناك دائماً معلومات خاطئة وتكهنات تقود الجمهور إلى تخمينات غير صحيحة، قد تكون نتائجها كارثية وخطيرة.
لذلك تشجع السلطات الصحية الجميع على الاعتماد على مصادر موثوقة ومهنيين مدربين للحصول على معلومات عن هذا الجائحة.
لا تثقوا بكل ما يدور على وسائل التواصل الاجتماعي، فمن واجبنا كصحفيين أن نكشف مثل هذه المعلومات الكاذبة، وكما تقع على عاتقك كقارئ مسئولية عدم تداول معلومات مشكوك فيها إلا إذا كنت متأكداً منها.